الرمل الأبيض
كان شبيها بالصوت الذي سمعه خارج غرفة نومه.. و خارج غرفة الضيوف.. لكن هذه المرة سمعه من خلف باب الحمام..
منذ أن شغل هذه الوظيفة الأخيرة، و هو محسود من الجميع.. الكل يتكلم عن تجربته و حظه، خاصة فتيات الحي التي تمنت كل واحدة منهن لو أن يتقدم لخطبتها، فهو وسيم مثقف.. و من عائلة محترمة، غير ذلك بنى منزلا خاصا به، و حصل على وظيفة تدر عليه الكثير من المال.
كان حديث الحي، و ما جعله كذلك كان عمره، فهو شاب في بداية الثلاثينيات من عمره، و لكن ما حققه بذكائه و ثقافته و عمله لا يحققه الكثيرون في نهاية عمرهم.
كانت والدة الشاب كثيرا ما تدعوه لاختيار شريكة حياته و إعمار المنزل الذي اصبح مهجورا تقريبا بدون الزوجة و ألولاد.. و لكن الشاب يردد على والدته بأنه سيفعل متى ما شعر بأنه قادر على تشكيل المستقبل الذي رسمه لأسرته و ابنائه.
فبالرغم من أن الشاب بنى لنفسه بيتا،و حصل على الراتب القوب، و جمع مبلغا معقولا من المال، و أصبح على درجة كافية من العلم، ألا أنه كان لا يزال يطمع للمزيد من الضمانات لمستقبل عائلته الصغيرة التي لم ينشأها بعد..
كان الشاب حسن الصفات و طيب القلب، و هذا ما جعل الكثيرين يتقربون منه حبا فيه أو طمعا به، خاصة وأنه كان حلم كل فتاة في الحي، و كان بإمكانه الإشارة لإي واحدة يريد، و هذا ما لا يحصل عليه الجميع..
كان الشاب مقيما في منزل والده، لكنه كان يستقبل اصدقاءه و ضيوفه في بيته، حيث لم يجهز من بيته الجديد غير غرفة النوم و غرفة للضيوف، و متى ما شاء استقبال أحد أصحابه، دعاه في بيته، و متى ما شاء الاسترخاء و الانفراد بنفسه ذهب الى بيته، و لم يكن يقيم في منزله غير حارس آسيوي الجنسية، يقوم بعمليات الحراسة و التنظيف، كما يقوم بدمته عندما يكون هناك..
و في أحد الأيام، وبينما كان الشاب مستلقيا في بيته في غرفة نومه ليشاهد برنامجا سياسيا مميزا في التلفزيون، سمع صوتا يصدر من خلف باب غرفته، حيث كان باب غرفته مغلقا خوفا من هروب هواء المكيف في ذلك الجو الحار من أيام الصيف الرطبة.. لم يهتم الشاب كثيرا لذلك الصوت، فهو يعلم بأن لا أحد في المنزل، و الحارس يجلس في الحديقة الخارجية ليتولى امر اللصوص!
واصل الشاب اندماجه في برنامجه، لكن الصوت فاجأه مرة أخرى و بقوة، انتبه الشاب للصوت، و تأكد من وجود أحدهم أو شيئا ما خلف باب غرفته، فقام من مكانه متسائلا و فتح الباب، و لكنه لم ير شيئا! فعاد إلى مكانه و أكمل برنامجه و رحلى من بيته لمنزل والده..
بعد أيام أخرى ذهب الشاب لمنزله بهدف الانفراد بنفسه للقيام ببعض الأعمال المكتبية، و كان جالسا حينها في غرفة الضيوف، و بينما هو منغرس وسط أورقه و كتبه، فإذا به يسمع الصوت نفسه أو ما يشابهه من وراء غرفة الضيوف، و كالمرة السابقة تجاهل الأمر و والصل عمله، لكن الصوت أرتفع مرة أخرى..
شعر الشاب بقليل من الارتباك، لكنه قام ليتفقد ما خلف الباب، و كالمرة السابقة لم يجد شيئا فعاد الى مكانه.. و قبل خروجه من بيته هذه المرة أراد سؤال الحارس إذا سمع صوتا كالذي سمعه، لكن الحارس لم يفهم عن ماذا يسأله الشاب؟! فخرج الشاب متجاهلا الأمر..
في اليوم التالي.. جاء الشاب ليكمل عمله، و بينما هو منغمس في عمله شعر بحاجة لدخول الحمام ففعل، و لكن بينما هو في الداخل سمع صوتا شبيها بالصوت الذي سمعه خارج غرفة نومه و خارج غرفة الضيوف، لكن هذه المرة سمعه من خلف باب الحمام، فلم يتجاهل الأمر هذه المرة، بل خرج مسرعا ليتفقد ما في الخارج، و لكنه ككل مرة لم يجد شيئا، ألا انه تأكد من وجود أمر ما في المنزل!!
حاول الشاب تفقد خارج الحمام جيدا، فأصبح يتلفت جيدا حتى لفت نظره شيء ما مرمي أسفل الباب!! كان شيئا أشبه بالرمل أو البودرة البيضاء فطلب من الحارس تنظيفه، و تذكر بأنه رأى تلك البودرة أو الرمل في زوايا أخرى من المنزل..
عاد الشاب الى غرفة الضيوف، وجلس متابعا عمله، لكن الصوت لم يفارق مخيلتخ، و أبح يربط الصوت بالرمل أو البودرة التي رأها،لكنه لم يجد علاقة مناسبة بينهما.. أيعقل أن يكون لصا يرمي المخدرات في المنزل أو قطة تحمل الرمل برجليها؟!
قام من محله و أصبح يتفقد غرفة الضيوف، ثم غرفة النوم فالمطبخ فالحمامات و الغرف الأخرى، و لكنه ركز على الزويا الداخلية، فلم يجد شيئا مثيرا للشك.. ثم تذكر الأبواب فجأة..!
فالأصوات كانت دائما تأتي من خلف الأبواب.. اتجه الى غرفة الضيوف مجددا يتفقد بابها، فوجد نفس المادة عند الباب من الخارج و بعضها من الداخل، و كذلك غرفة نومه وجد نفس المادة خلف الباب.. حاول لمسها فكانت ناعمة كالرمل الأبيض، و لا يبدو فيها أي أمر مثير للقلق!
انتقل الشاب الى الطابق الثاني ليتفقد الأبواب، و توقف عند باب أحد الغرف، فوجد المادة موجودة بكثرة في أسفله، مما زاد شكه بالأمر، شكل المادة يذكره بما تسميه النساء "الطبوب" أو "العمل" فلربما هو عمل وضعه له أحدهم حسدا أو طمعا، و لربما ساعد الحارس على ذلك، لكن كيف يتأكد من ذلك؟!
و بينما هو يفكر بذلك الرمل.. تفاجأ بالصوت الذي سمعه خلف الأبواب من قبل.. و كان على ما بدى له صادرا من الباب نفسه!.. لم يفهم الشاب شيئا و سرعان ما لمس الباب براحة يده عفويا و كأنه يتحسسه بهدوء.. و لكن ذلك الهدوء انقلب إلى فوضى فجأة عندما تهشم وجه الباب و سقط عليه.
لم يعرف الشاب كيف يفسر الأمر، لكنه تفاجأ بالكثير من الرمل يسقط من هشاش الباب، فحمل الشاب الرمل الأبيض في يده و أصبح يتلمسه، فتفاجأ بحركة ما يشبه الديدان الصغيرة فيه، فرماه فورا و أمر الحارس بإبقاء هشاش الباب و الرمل في مكانه على ما هو عليه..
و في اليوم التالي جلب الشاب معه أحد المختصين في وزارة الصحة لمعاينة الرمل.. فأكد المختص بأن تلك الرمال ليست سوى أغطية النمل الأبيض.. و الذي يخرج من تحت الأرض بحثا عن عما يأكله.. و كعادته عندما يخرج يحمل على ظهره رملا يغطيه لأسباب خاصة!
و بعد المعاينة.. اكتشف المختص بأن معظم الأبواب الخشبية الموجودة في المنزل.. لم تكن غير نشارة خشب متماسكة!!
